فصل: ما هو خارجٌ عن حاضرتها

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: صبح الأعشى في كتابة الإنشا **


  الصنف الثالث من الوظائف بطرابلس التي يكتب لأربابها من الأبواب السلطانية - الوظائف الديوانية

وهي على مرتبتين المرتبة الأولى ما يكتب في قطع الثلث بالمجلس السامي بالياء وتشتمل على وظائف منها‏:‏ كتابة السر ويعبر عنه في ديوان الإنشاء بالأبواب السلطانية بصاحب ديوان المكاتبات‏.‏

وهذه نسخة توقيعٍ من ذلك وهي‏:‏ الحمد لله الذي جعل الأسرار عند الأحرار وطوى الصحف على حسنات الأبرار وأجرى الأقلام ترجماناً للأفكار وجعل الحفظة يكتبون الأعمال مع تطاول الأعمار آناء الليل وأطراف النهار وبسط المعاني أرواحاً والألفاظ لها أشباحاً مع التكرار وأبهج الصدور بصدور الكتب والإيراد والإصدار‏.‏

نحمده على فضله المدرار ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة إقرار وعملٍ بالجوارح بلا إنكار ونشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله المصطفى من مضر بن نزار المخصوص بالمهاجرين والأنصار الثاوي بأشرف بقعة تزار المشرف كتاب الوحي‏:‏ فهم يكتبون بما يمليه عليهم المختار وجبريل يلقي على قلبه الآيات والأذكار عن رب العزة المسبل الأستار صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ما نفح روضٌ معطار وسح صوب أمطار وسلم تسليماً كثيراً‏.‏

وبعد فإن ملاك الملك الشريف حفظ سره والاحتفال بكتبه الشريفة ولفظها ودره وخطابها ونثره وخطها ونشره وختمها وعطره وتجهيزها مع الأمناء الثقات الذين تؤمن غائلة أحدهم في كل أمره وما ألقي السر الشريف إلا لأكمل الأعيان وصدر الزمان وبليغٍ كسحبان وفصيحٍ كقس في هذا الزمان وأصيل في الأنساب وعريق في كرم الأحساب وفاضلٍ يعنو له فاضل بيسان وينشي لفظه الدر والمرجان وكاتب السر فلا يفوه بلسان‏.‏

ولما كان فلانٌ هو واسطة عقد الأفاضل ورأس الرؤساء الأماثل وحافظ السر في السويداء من قلبه وناظم الدر في سطور كتبه والمورد على مسامعنا الشريفة من عبارته ألفاظاً عذاباً القائل صواباً والمجيد خطاباً وإذا جهز مهماً شريفاً راعاه بعينه عوداً وذهاباً وإذا استعطف القلوب النافرة عادت الأعداء أحباباً وإذا أرعد وأبرق على مأزقٍ أغنى عن الجيوش وأبدى عجباً عجاباً وإذا كتب أنبت في القرطاس رياضاً خصاباً‏.‏

فلذلك رسم بالأمر الشريف أن يفوض إليه كذا‏.‏

فليحل هذا المنصب الشريف حلول القمر هالته وليعد إليه أيام سره وسروره الفائتة وليعرب عن أصولٍ ثابتة وفروعٍ في منابت الخير نابتة ولينفذ المهمات الشريفة أولاً فأولاً من غير أن يعدق مهماً بغيره أو يبيته إلى غده وليحرر البريد المنصور بيديه غير معتمد فيه على غير رشده ولا يغب عن وظيفته طرفة عينٍ بل يكون كالنجم في رصده لمرتصده وليوص كتاب الإنشاء لديه والمتصرفين بين يديه بكتم السر فإن ذلك إليه فإذا أفشى أحدٌ من السر كلمة فليزجره وليأمره أن يحفظ لسانه وقلمه وليعط كل قضية ما تستحقها من تنفيذ كلمة والابتداءات والأجوبة فلتكن ثغورها بألفاظه متشنبة وعقودها بإملائه منتظمة فأما الابتداء فهو على اقتراحه وأما الجواب فهو على ما يقتضيه الكتاب الوارد باصطلاحه ولا يملي إلا إلى ثقاته ونصاحه والكتب الملوكية فليوفها مقاصدها وليراع عوائدها والتقوى فهي الهام من أمره وختام عطره وتمام بدره والوصايا فهي كثيرةٌ لديه وفي صدره والله تعالى يكمل به أوقات عصره بمنه وكرمه‏!‏ والخط الشريف أعلاه‏.‏

ومنها‏:‏ نظر المملكة القائمة بها مقام الوزارة‏.‏

وهذه نسخة توقيعٍ من ذلك وهي‏:‏ الحمد لله مفيض حلل إنعامنا على من أخلص في طاعتنا الشريفة قلبه ولسانه ومولي فضل آلائنا العميمة على من أرهف في مصالحها آلة عزمه وبنانه ومحلي رتب عليائنا الشريفة بمن أشرق في نحمده حمداً يبلغ به أقصى غاية المجد من تبتسم بجميل نظره الثغور وتعتصم بحميد خبره وخبرته الأمور ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً تشرق بها البدور ويعتمد عليها في الأيام والدهور ونشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله الهادي إلى الحق وإلى طريق مستقيم والناشر لواء العدل بسننه الواضح وشرعه القويم وعلى آله وصحبه الذين اهتدى بهديهم ذوو البصائر والأبصار وارتدى بأرديتهم المعلمة مقتفي الآثار من النظار وسلم تسليماً‏.‏

وبعد فإن أولى من أسندنا إلى نظره الجميل رتبة عز ما زالت بنو الآمال عليها تحوم وعدقنا بتدبيره الجميل منصب سيادة ما برحت الأماني له تروم واعتمدنا على هممه العلية فصدق الخبر الخبر وركنا إلى حميد رأيه فشهد السمع له وأدى النظر‏.‏

ولما كان فلانٌ هو الذي رقى في ذروة هذه المعالي وانتظم به عقد هذه اللآلي وحوى بفضيلة البيان واللسان ما لم تدركه المرهفات والعوالي فما حل ذروة عز إلا حلاها بنظره الجميل ولا رقى رتبة سيادة إلا وأسفر في ذروتها وجه صبحه الجميل ولا عدق بنظره كفالة رتبة إلا وكان لها خير كفيل‏.‏

فلذلك رسم بالأمر الشريف - لا زال ينتصي للرتب العلية خير منجد ومغير ويختار للمناصب السنية نعم المولى ونعم النصير - أن يفوض إليه كذا فإنه القوي الأمين والمتمسك من تقوى الله تعالى وكفايته بالسبب المتين والمستند بجميل كفالته وحميد ديانته إلى حصن حصين والمستذري بأصالته الطاهرة وإصابته إلى الجنة الواقية والحرم الأمين‏.‏

فليقدم خيرة الله تعالى ويباشر الجهة المذكورة بعزم لا ينبو وهمة لا تخبو وتدبيرٍ يتضاعف على ممر الأيام ويربو ونظرٍ لا يعزب عن مباشرته مثقال ذرة إلا وهي من خاطره في قرار مكين وضبط لا تمتد إليه يد ملتمس إلا ويجد من مرهفه ما يكف كفها بالحد المتين وليضاعف همته في مصالح هذه الجهة التي عدقناها بنظره السعيد وليوفر عزمته فإن الحازم من ألقى السمع وهو شهيد والوصايا كثيرةٌ ومثله لا يدل عليها والتنبيهات واضحةٌ وهو - وفقه الله تعالى - أهدى من أن يرشد إليها والله يوفقه في القول والعمل ويصلح بجميل تدبيره وحميد تأثيله كل خلل والاعتماد على الخط الشريف إن شاء الله تعالى‏.‏

ومنها - نظر الجيش بها‏:‏ وهذه نسخة توقيع بها لمن لقبه شمس الدين وهي‏:‏ الحمد لله الذي أطلع في سماء المعالي شمساً منيرة وأينع غروس أولي الصدارة بعهاد سحب عوارفه الغزيرة وأبدع الإحسان إلى من قدمه الاختبار والاختيار على بصيرة‏.‏

نحمده على نعمه التي عم فضلها ومد على أولياء الدولة القاهرة ظلها ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً تزلف لديه وتسلف ما يجده المتمسك بها يوم العرض عليه ونشهد أن محمداً عبده ورسوله أشرف من بعث إلى الأمم كافة وأكرم من غدت أملاك النصر آيته حافة صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين حازوا بصحبته الشرف وفازوا بطاعة الله وطاعته من الجنان بغرف من فوقها غرف‏.‏

وبعد فإن أولى ما عدق بالأكفاء وأحق ما صرف إليه وجه الاعتناء وأجدر ما أوقظ له طرف كاف لا يلم بالإغفاء - أمر الجيوش المنصورة بطرابلس المحروسة التي لا ينهض بأعباء مصالحها إلا من عرف بالسداد في قلمه وكلمه وألف منه حسن التصرف فيما يبديه من نزاهته ويظهره من هممه بخبرة مؤكدة وآراء مسددة ومعرفة أوضاع ترتيبها وأحوالها وقواعد مقدميها وأبطالها وكفايةٍ تفتح رحاب حالها‏.‏

ولما كان فلانٌ هو الصدر الملي بوافي الضبط ووافر الاهتمام والكافي الذي نطقت بكفايته ألسنة الخرصان وأفواه الأقلام والضابط الذي لا يعجز فهمه عن إحاطة العلم بذوي الآلام‏.‏

فلذلك رسم بالأمر الشريف - لا زال يقدم للمراتب كافياً مشكوراً ويرشح لملناصب صدراً أضحى بالأمانة مشهوراً - أن يفوض إليه كذا‏:‏ لأنه الصدر الذي تزاحمت ألسنة الثناء عليه وترادفت بين أيدينا محامده فقررنا العوارف لديه وشكرت عندنا هممه في سداد كل ما يباشره وذكرت لدينا بالخير سيرته وسرائره‏.‏

فليباشر هذه الوظيفة الجليلة متحلياً بين الأنام بعقودها مطلعاً شمس نزاهته في فلك سعودها ناهضاً بأعباء منصبه السعيد ضابطاً قواعده بكل تحرير تليد متقناً ديوان الجيوش المنصورة معملاً في ملاحظتها نافذ البصر وحسنى البصيرة محرراً أوراق العدة والعدة باذلاً في ضبط الحلى اهتمامه وجهده والله تعالى يسعد جده ويجدد سعده والخط الشريف أعلاه‏.‏

إن شاء الله تعالى‏.‏

قلت‏:‏ وربما كتب مفتتحاً في هذه الرتبة بأما بعد فإنها أصل ما يكتب في قطع الثلث‏.‏

  المرتبة الثانية من مراتب أرباب الوظائف الديوانية بطرابلس - من يكتب له في قطع العادة بمجلس القاضي

وهو قليل الوقوع‏.‏ والغالب في ذلك أن يكتب عن نائب السلطنة بها‏.‏

وهذه نسخة توقيع من هذه الرتبة بكتابة الدست بطرابلس يقاس عليه ما عداه من ذلك وهي‏:‏ رسم بالأمر الشريف - لا زال أمره الشريف يزيد من يصطفيه شرفاً وبره المنيف يفيد من يجتبيه تحفاً وخيره المطيف يجيد لمن يختاره جوداً ويسر قلب من رفعه إلى صدر الدست صعوداً فيبوئه من جنات العلياء غرفاً - أن يستقر في كذا‏:‏ استقراراً تجتنى منه ثمار الخيرات وتجلى عليه عروس المسرات لأنه الرئيس الذي تفتخر هذه الوظيفة بانتسابها إليه وتتجمل حللها وألويتها إذا نشرت عليه والفاضل الذي ألقت إليه البلاغة زمامها والكامل الذي ملك بيانها ونظامها والأديب الذي لا يدرك في الآداب واللبيب الذي يقصر عنه طول عامة الطلاب كم له من كتابةٍ حسنة الاتساق وبلاغة حصل على فضلها الاتفاق وديانةٍ أطلق فيها لسانه ويده فشكرها الناس على الإطلاق فهو مستند الرآسة وابن من حاز كل فخار وراسه والعلم المشهور علمه وصاحب القلم المشكور رقمه فالمناصب بارتفاعه إليها مفتخرة والمراتب بعلائه مستبشرة والأسماع بفضائله مشنفة والأسجاع بكلمه مشرفة‏.‏

فليباشر هذه الوظيفة وليسلك فيها طريق نفسه العفيفة وليدبج القصص بأقلامه وليبهج التواقيع بما يوقع مبرم فصيح كلامه وليزين الطروس بكتابته ولينعش النفوس ببلاغته وليجمل من المباشرة ما تصبح منه مطالع شرفه منيرة وتمسي به عين محبه قريرة والوصايا فهو خطيب منبرها ولبيب موردها ومصدرها والتقوى فليلازم فيها شعاره وليداوم بها على ما يبلغ به أوطاره والله تعالى يجعل سعوده كل يومٍ في ازدياد ويسهل له ما يرفع ذكره بين العباد بمنه وكرمه‏!‏‏.‏

والاعتماد في ذلك على الخط الشريف أعلاه إن شاء الله تعالى‏.‏

  ما هو خارجٌ عن حاضرتها

وهم على ثلاثة أصناف أيضاً الصنف الأول أرباب السيوف وقد تقدم أنه ليس بها مقدم ألف سوى نائب السلطنة بها وحينئذ فالنيابات بمعاملتها على طبقتين‏:‏ الطبقة الأولى الطبلخاناه ومراسيمهم تكتب في قطع الثلث بالسامي بالياء مفتتحة بالحمد لله‏.‏

وهذه نسخة مرسوم شريف من ذلك بنيابة قلعة تصلح لنائب اللاذقية ينسج على منوالها وهي‏:‏ الحمد لله الذي جعل الحصون الإسلامية في أيامنا الزاهرة مصفحةً بالصفاح والثغور المصونة في دولتنا القاهرة مشرفةً بأسنة الرماح والمعاقل المحروسة مخصوصةً من أوليائنا بمن يعد بأسه لها أوقى الجنن وذبه عنها أقوى السلاح‏.‏

نحمده على نعمه التي عوارفها عميمة وطوارفها كالتالدة للمزيد مستديمة ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً تنطق الضمائر قبل الألسنة بإخلاصها وتشرق القلوب بعموم إحاطتها بها واختصاصها ونشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي أشرقت بنور ملته الظلم وارتوت بفور شريعته الأمم صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين امتطوا إلى جهاد أعداء وبعد فإن أولى ما عقد عليه في صيانة الحصون الخناصر واعتمد على مثله في كفاية المعاقل إذا لم يكن غير تأييد الله وحد السيف ناصر - من هو في حفظ ما يليه كالصدور التي تصون الأسرار والكمائم التي تحوط الثمار مع اليقظة التي تذود الطيف أن يلم بحماة حماه والفطنة التي تصد الفكر أن يتخيل فيه ما اشتمل عليه وحواه والأمانة التي ينوي فيها طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم وطاعتنا الشريفة ولكل امريءٍ ما نواه‏.‏

ولما كان فلانٌ هو السيف الذي تروق تجربته ويروع تجريده وإذا ورد في الوغى منهل حربٍ فمشرعه من كل كميٍّ وريده - اقتضت آراؤنا الشريفة أن نرهف حده بحفظ أسنى الحصون عندنا مكاناً ومكانة وأسمى المعاقل رفعةً وعزة وصيانة‏.‏

فرسم بالأمر الشريف أن تفوض إليه النيابة بقلعة كذا‏.‏

فليباشر هذه النيابة السامي قدرها الكامل في أفق الرتب بدرها مباشرةً تصد الأفكار عن توهمها والأبصار عن توسمها والخواطر عن تخيل مغناها والسرائر عن تمثل صورتها ومعناها‏.‏

وليكن لمصالحها متلمحاً ولنجوى رجالها متصفحاً ولأعذار حماتها مزيحاً وللخواطر من أسباب كفايتها مريحاً ولمواطنها عامراً وبما قل وجل من مصالحها آمراًن ولوظائفها مقيماً وللنظر في الكبير والصغير من أمورها مديماً ولخدمتها مضاعفاً ولكل ما يتعين الاحتفال به من مهماتها واقفاً وملاك الوصايا تقوى الله‏:‏ وهي أول ما يقدمه بين يديه وأولى ما ينبغي أن يصرف نظره إليه فليجعل ذلك خلق نفسه ومزية يومه على أمسه والخير يكون والخط الشريف أعلاه إن شاء الله تعالى‏.‏

  الطبقة الثانية العشرات ومراسيمهم

إن كتبت من الأبواب السلطانية ففي قطع الثلث بالسامي بغير ياء مفتتحة بأما بعد إلا أن الغالب كتابتها عن نائب السلطنة‏.‏

وهذه نسخة مرسوم شريف بنيابة قلعة بلاطنس من معاملتها وهي‏:‏ أما بعد حمد الله على نعمٍ توالى رفدها ووجب شكرها وحمدها وعذب لذوي الآمال وردها والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ الذي رفع به لقريشٍ مجدها فعلا جدها وعلى آله وصحبه صلاةً لا يحصى عددها ولا يحصر حدها - فإنه لما كان فلان من قدمت تقادم خدمه وتعالى به إلى العلياء سامي هممه وترفع به حسن ولائه حتى أعلت الدولة من شأنه ورفعت من علمه واستكفته لمصون الحصون وجادت عليه بصوب إحسان روى الأماني فأضحت نضرة الغصون وكانت قلعة فلانة هي القلعة التي شمخت بأنفها على القلاع علواً وسامت الجوزاء سمواً فوجب أن لا يستحفظ عليها وفيها إلا من عرف بحسن المحافظة وتوفيها وكان المشار إليه هو عين هذه الأوصاف والوارد من حسن الطاعة المورد الصاف - اقتضى حسن الرأي الشريف أن ننوه بذكره ونرفع من قدره‏.‏

ولذلك رسم‏.‏

- لا زال‏.‏ أن تفوض إليه النيابة بهذه القلعة المحروسة وأن تكون بأوانس صفاته مأنوسة‏.‏

فليكن فيما استحفظ كفواً وليورد الرعية من حسن السيرة صفواً وإذا تعارض حكم الانتقام وكان الذنب دون الحد فليقدم عفواً‏.‏

وعليه بالعدل فإنه زمام الفصل والقلعة ورجالها وذخائرها وأموالها فليمعن النظر في ذلك بكرةً وأصيلاً وإجمالاً وتفصيلاً وتحصيناً وتحصيلاً‏.‏

وعليه بالتمسك بالشريعة المطهرة وأحكامها المحررة وليردع أهل الفساد ويقابل من ظهر منه العناد بما يؤمن المناهج ويجدد المباهج والوصايا كثيرة فليكن مما ذكر على بصيرة أعانه الله على ما أولاه ورعاه فيما استرعاه والخط الشريف أعلاه حدةٌ بمقتضاه والخير يكون إن شاء الله تعالى‏.‏

الصنف الثاني مما هو خارج عن حاضرة طرابلس الوظائف الدينية والغالب كتابتها عن نائب السلطنة بطرابلس‏.‏

فإن كتب شيءٌ منها عن الأبواب السلطانية كان وهذه نسخة توقيعٍ من ذلك بنظر وقفٍ على جامع بمعاملة طرابلس كتب به لمن لقبه زين الدين وهي‏:‏ رسم بالأمر الشريف - لا زال كريم نظره يستنيب عنه بمصالح بيوت الله تعالى من تزداد بنظره شرفاً وزيناً ويعين لها من الأعيان من تسر به خاطراً وتقر به عيناً ويمنحها من إذا باراه مبارٍ وجد بينهما بوناً وبيناً ويقرر لها كل كافٍ إذا فاه راءٍ بوصف آرائه الملموحة عين صوابها ولا يجد عليها عيناً - أن يستقر بالنظر على كذا‏:‏ استقراراً يرى الوقف بنظره على ربعه طلاوة ويجد بمباشرته في صحنه حلاوة ويعرب عن استمراره على حسن الثناء ويجد من نيل ريعه أكمل وفاء لأنه الناظر الذي لا يمل إنسانه من حسن النظر ولا يكل لسانه عن الأمر بالمصالح ولفظه عن إلقاء الدرر والشريف الذي وجدت مخايل شرفه من فضل خلاله والجواد الحائز بجوده قصب السبق على أمثاله والكامل الذي لا توجد في صفاته نقيصة والفاضل الذي أتته الفضائل على رغمها رخيصة‏.‏

فليباشر هذا النظر مباشرةً تكحل نظاره فيها بالوسن وليقابلها من جميل سلوكه بكل وجه حسن وليبدأ أوقاف الجامع المذكور بالعمارة وليقطع بمدية أمانته يد من يشن على ماله الغارة وليأمر أرباب وظائفه باللزوم وليخص كلاً منهم من فضله بالعموم وليتق الله تعالى في القول والعمل وليجتهد على أن لا يتخلل مباشرته الخلل والاعتماد على الخط الشريف أعلاه‏.‏

الصنف الثالث مما هو خارجٌ عن حاضرة طرابلس أرباب الوظائف الديوانية وقل أن يكتب فيها شيءٌ عن الأبواب الشريفة السلطانية وأن الغالب كتابة ما يكتب فيها من نائب السلطنة بطرابلس‏.‏

فإن اتفق كتابة شيءٍ من ذلك عن الأبواب السلطانية مشى الكاتب فيه على نهج ما تقدم في الوظائف الدينية‏:‏ من كتابته في قطع العادة بمجلس القاضي مفتتحاً برسم لا يختلف الحال منه في ذلك إلا في الفرق بين التعلقات الدينية والديوانية‏.‏

والكاتب الماهر يصرف قلمه في ذلك وفي كل ما يحدث من غيره على وفق ما تقتضيه الحال وبالله المستعان‏.‏

  النيابة الرابعة نيابة حماة

ووظائفها التي تكتب بها من الأبواب السلطانية ما بحاضرتها خاصة وهي على ثلاثة اصناف الصنف الأول أرباب السيوف وليس بها منهم إلا نائب السلطنة خاصة‏.‏

ويكتب له تقليدٌ في قطع الثلثين بالجناب العالي مع الدعاء بمضاعفة النعمة‏.‏

وهذه نسخة تقليد بنيابة حماة‏:‏ الحمد لله ذي التدبير اللطيف والعون المطيف والحياطة التي تستوعب كل تصريف وكل نحمده بمحامد جميلة التفويف حسنة التأليف مكملة التكييف بريةٍ من التطفيف حريةٍ بكل شكرٍ منيف وذكرٍ شريف ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً خلص تحريرها عن كل تحريف وتنزه مقالها عن تسويد تفنيد أو تسويف ونشهد أن محمداً عبده ورسوله صاحب الدين الحنيف والمبعوث بالرحمة والتخفيف صلى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاةً متناوبةً تناوب الصرير والصريف والشتاء والمصيف وسلم تسليماً كثيراً‏.‏

وبعد فإن من شيم الدولة وسجاياها وأحكامها وقضاياها تقديم الأهم فالأهم وتحتيم الأتم من الرأي وتحكيم التدبير الأعم وفعل كل ما يحوط الممالك ويحفظها ويذكي العيون لملاحظتها ويوقظها‏:‏ لما أوجبه الله من حقوقها وحظره من عقوقها ولا يكون ذلك إلا باختيار الأولياء لضبطها والتعويل على الأملياء بالقيام بشرطها والاستناد من الزعماء إلى من يوفي من الخراجة والعيون وافي قسطها‏.‏

ولما كانت المملكة الحموية جديرةً بالالتفات حقيقةً بالحياطة من جميع الجهات مستدعيةً من جميل النظر كل ما يحرس ربعها ويديم نفعها ويحفل ضرعها ويلم شعثها ويشعب صدعها ويسر سمعها ويفعم شرعها ويعظم شرعها ويكتنفها اكتناف السور والسوار والهالة للبدر والأكمام للثمار وكان فلانٌ هو المتقشع سحاب هذا الوصف عن بدره المنير والمتقلع ضباب هذا التفويض عن نور شمسه المنعشة قوى كل نبت نضير والذي بأهليته لرتبة هذا التفويض ما خاب المستخير ولا ندم المستشير والذي يفرده استحقاقه بهذه الرتبة فلا يقول أحدٌ من كبيرٍ ولا صغيرٍ امتثالاً للمراسيم الشريفة في حقه‏:‏ منا أميرٌ ومنكم أمير - اقتضى جميل الرأي المنيف أن خرج الأمر الشريف - لا برح يحسن التعويل ويهدي إلى سواء السبيل ويمضي مضاء القضاء المنزل والسيف الصقيل - أن تفوض إليه نيابة السلطنة المعظمة في مملكة كذا وكذا‏.‏

فليقدم خيرة الله قائلاً وفاعلاً ومقيماً وراحلاً وموجهاً ومواجهاً ومسجلاً وساجلاً وعالماً وعاملاً ومعتمداً على الله في أمره كله‏.‏

وليكن من هذه المعرفة قريباً وعلى كل شيءٍ حتى على نفسه رقيباً وإذا اتقى الله كفاه الله الناس وإن اتقى الناس لم يغنوا عنه من الله شيئاً فليقس على هذا القياس ويقتبس هذا الاقتباس‏.‏

وأما الوصايا فالعساكر المنصورة هم مخلب الظفر وظفره وبهم يكشف من كل عودٍّ سره ويخلى وطنه ووكره ويضرب زيده وعمره ويبدد جمعه ويساء صنعه ويعمى بصره ويصم سمعه وهم أسوارٌ تجاه الأسوار وأمواجٌ تندفع وتندفق أعظم من اندفاق البحار وما منهم إلا من هو عندنا لمن المصطفين الأخيار فأحسن استجلاب خواطرهم واستخلاب بواطنهم وسرائرهم واستحلاب الشائع من طاعاتهم في مواردهم ومصادرهم وكن عليهم شفوقاً وبهم في غير الطاعة والاستعباد رفوقاً وأوجب لهم بالجهاد والاجتهاد حقوقاً واصرف لهم حملاً لأعباء المهمات والملمات مطيقاً واستشر منهم ذوي الرأي المصيب ومن أحسن التجريب ومن تتحقق منه النصح من الكهول والشيب ممن كلل بغيرة منه ما شب فإن المرء كثيرٌ بأخيه وإذا اجتمعت غصونٌ في يد أيد عست على قصفه وقصف كل واحدة فواحدة لا يعييه‏.‏

والجهاد فهو ملاك كل استحواءٍ واستحواذ وبه تتميز أفعال الكفار بالنفاد وأفعال الدين الحنيف بالنفاذ وما جعل الله للمدافعين عن دين الله سواه ولا مزجي صوب صواب إلا إياه وعلى ذلك جعل الله أرزاقهم وهيأ لهم به إرفاقهم فليكرمهم بأخذ الأهبة في الاعتلاء والانصباب في كل هضبة والاستعداد برباط الخيل وكل قوة‏.‏

ومن الوصايا التي ينبغي أن ترسم في جبهات الفكر دون توانٍ أو ركون أن لا يستحقر عدواً ولا يستهزيء بقلته لا رواحاً ولا غدواً وليكن للاستظهار مستوعباً ولإعمال المكايد مستوثباً وللكشف بعد الكشف مستصحباً وغير ذلك من الأمور التي بها صلاح الجمهور‏.‏

والشرع الشريف وتنفيذ أحكامه وتقوية أيدي حكامه فهو ميزان الإسلام والسلامة وقوام الصلاح والاستقامة وأخوه المرتضع من ثدي الحق العدل الذي كم شاق وكثيراً ما على أهل الباطل شق وعم القريب والبعيد والسائق والشهيد والمريب والمريد وكل ذي ضعف مبيد وكل ذي بأس شديد وكل مستشيرٍ ومستزيد فإن ذلك إذا شمل حاط وتم به الارتياد والارتباط وهدى إلى أقوم صراط‏.‏

والحدود فهي حياة النفوس وبها تزال البؤوس فأقمها ما لم تدرأ بالشبهات الشرعية والأمور المرعية‏.‏

والأموال فهي مجلبة الرجال ومخلبة الآمال وبها يشد الأزر ويقوى الاستظهار والظهر فيشد من الذين أمرها بهم معدوق ويقوي أيديهم بكل طريق في كل طروق بحيث لا يؤخذ إلا الحق ولا يترك شيءٌ من الحقوق‏.‏

والرعية فهم عند والي الأمر ودائع‏:‏ ينبغي أنها تكون محفوظة وبعين الاعتناء ملحوظة فأحسن جوارهم وأزل نفارهم واكفف عنهم مضارهم ولا تعاملهم إلا بما لا تسأل عنه غداً بين يدي ربك فإنه يراك حين تقوم وأعد جواباً لذلك فكل راعٍ راعٍ مسؤول‏.‏

وأما غير ذلك فلابد أن تطلعك المباشرة على خفايا تغنيك عن المؤامرة وستتوالى إليك الأجوبة عند المسافرة في المكاتبات الواردة والصادرة والله يوفقك في كل منهجٍ تسلكه وتقتفيه ويسددك فيما من ذلك تنتحيه‏.‏

قلت‏:‏ أما سائر أرباب الوظائف بها‏:‏ كشد الدواوين وشد مراكز البريد وغيرهما فقد جرت العادة أن النائب يستقل بتوليتها‏.‏

فإن قدر كتابة شيءٍ من ذلك لأحد بها كتب لمن يكون طبلخاناه في قطع النصف بالسامي بغير ياء ولمن يكون عشرة في قطع الثلث بمجلس الأمير كما في غيرها‏.‏

  الصنف الثاني أرباب الوظائف الدينية

وهم على مرتبتين المرتبة الأولى من يكتب له في قطع الثلث بالسامي بالياء‏.‏

وهم قضاة القضاة الأربعة‏.‏

المرتبة الثانية من يكتب له في قطع العادة‏:‏ إما في المنصوري مفتتحاً بأما بعد وإما في الصغير مفتتحاً برسم‏.‏

وعلى ذلك تكتب تواقيع قضاة العسكر بها ومفتي دار العدل والمحتسب ووكيل بيت المال ووظائف التداريس والتصادير ونظر الأحباس إن كتب شيءٌ من ذلك عن الأبواب السلطانية وإلا فالغالب كتابة ذلك عن النائب بها‏.‏

  النيابة الخامسة نيابة صفد

وقد تقدم في الكلام على المكاتبات أنها في رتبة نيابة طرابلس وحماة في المكاتبة وأنها تذكر بعد حماة في المطلقات‏.‏

ووظائفها التي تولى من الأبواب السلطانية على ثلاثة أصناف‏:‏ الصنف الأول أرباب السيوف وفيه وظيفتان الوظيفة الأولى نيابة السلطنة بها ويكتب تقليده في قطع الثلثين وهذه نسخة تقليد بنيابة السلطنة بصفد كتب به لسيف الدين قطلقتمس السلحدار الناصري في سابع رمضان سنة عشر وسبعمائة من إنشاء الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي وهي‏:‏ الحمد لله الذي صان الثغور المحروسة من أوليائنا بسيف لا تنبو مضاربه وخص أسنى الممالك المصونة من أصفيائنا بعضب لا يفل غربه محاربه وقدم على زعامة الجيوش من خواصنا ليثاً يسكن إليه كل أسدٍ من أسدٍ ذائلةٍ تغالبه حافظ نطاق البحر من أبطال دولتنا بكل كميٍّ تصد البحر مهابته أن يستقل براكبه أو تستقر على ظهره مراكبه وناشر لواء عدلنا في أقاليمنا بما يغني كل قطر أن تتدفق جداوله أو تستهل به سحائبه‏.‏

نحمده على نعمه التي جعلت سيف الجهاد رائد أوامرنا وقائد جيوشنا إلى مواقف النصر وعساكرنا وذائد أعداء الملة عن أطراف ممالكنا التي أسبق إليها من رجع النفس في الدجى تألق نجوم ذوابلنا وفي الضحى تبلج غرر صوارمنا ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً يستظل الإيمان تحت لوائها وتعبق الأكوان بما تنطق به الألسنة من أروائها ويشرق الوجود بما يبدو على الوجوه من روائها وتجادل أعداءها في الآفاق لرفع كلمة ملتها على الملل وإعلائها ونشهد أن محمداً عبده ورسوله خاتم الأنبياء وأشرف حملة الأنباء صلى الله عليه وعلى آله وصحبه المخصوصين بأسنى مراتب الاجتباء صلاةً دائمةً بدوام الأرض والسماء أما بعد فإن أولى من فوضت إليه زعامة الجيوش بأسنى الممالك وعدق به من تقدم العساكر ما يرجف بمهابته هناك أرض العدو هنالك وعقد به للرعايا لواء عدل تجلى بإشراق ليل الظلم الحالك وعول عليه من جميل السيرة فيما تعمر به البلاد وتأمن به الرعايا وتطمئن به المسالك - من لم يزل في خدمة الدولة القاهرة سيفاً ترهب العدا حده ويخاف أهل الكفر فتكاته تحققاً أن آجالهم عنده ويتوقع كل كميٍّ من عظماء الشرك أن رأسه سيكون غمده مع سياسة تشتمل على الرعايا ظلالها الممتدة وسيرة تضع الأشياء مواضعها فلا تضع الحدة موضع اللين ولا اللين موضع الحدة وتوفرٍ على عمارة البلاد يعين على ريها طل الأنواء والوابل وبراءةٍ تجعل ما يودع فيها بالبركة والنماء‏:‏ ‏"‏ كمثل حبةٍ أنبتت سبع سنابل ‏"‏‏.‏

ولما كان الجناب العالي هو السيف الذي على عاتق الدولة نجاده والليث الذي لم يزل في سبيل الله إغارته وإنجاده والغيث الذي يخصب بمعدلته البلد الماحل والأسد الذي تصد ساكني البحر مهابته فيتحققون أن العطب لا السلامة في الساحل اقتضت آراؤنا الشريفة أن نزيد حد عزمه إرهافاً وأن نرهب العدا ببأسه الذي يرد آحاد ما تقدم عليه من الجيوش آلافاً وأن نفوض إليه من أمور رعايانا ما إذا أسند إليه يوسعهم عدلاً وإنصافاً‏.‏

فلذلك رسم بالأمر الشريف‏:‏ أن تفوض إليه نيابة السلطنة الشريفة بصفد المحروسة‏:‏ تفويضاً يعلي قدره ويمضي في عموم مصالحها وخصوصها نهيه وأمره ويرهف في حفظ سواحلها وموانيها بيضه وسمره ويصلي مجاورها من ساكني الماء من بأسه المتوقد جمره‏.‏

فليتلق هذه النعمة بباع شركه المديد ويترق هذه المرتبة بمزية اعتزامه التي ليس عليها فيما يعدق به من مصالح الإسلام مزيد وينشر بها من عموم معدلته ما لا يخص دون قومٍ قوماً ويعمر بلادها بالعدل‏:‏ فإن عدل يومٍ واحدٍ خيرٌ للأرض من أن تمطر أربعين يوماً ويبسط فيها من مهابته ما يكف أكف البغاة أن تمتد ويمنع رخاء أهوية أهلها أن تشتد ويؤمن المسالك أن تخاف والرعايا أن يجار عليهم أو يحاف وليكن من في تقدمته من الجيوش المنصورة مكملي العدد والعدد ظاهري اللأمة التي هي مادة المجالدة وعون الجلد مزاحي الأعذار فيما يرسم لهم به من الركوب مزالي العوائق في التأهب لما هم بصدده من الوثوب حافظي مراكزهم حفظ العيون بأهدابها آخذي أخبار ما يشغل البحر من قطع العدا في حال بعدها كحال اقترابها بحيث لا يشرف على البر من قطع المخذولين إلا أسيرٌ أو كسير أو من إذا رجع بصره إلى السواحل ينقلب إليه البصر خاسئاً وهو حسير وليكن أهل الجبال بمهابته كأهل السهل في حسن انقيادهم وطاعتهم ويصد عنهم بسطوته مجال الأوهام المتصلة فلا تنصرف إلى غير مجاوريهم من الأعداء مواقع بأسهم وشجاعتهم وملاك الوصايا تقوى الله‏:‏ وهي من أخص أوصافه والجمع بين العدل والإحسان وهما من نتائج إنصافه فليجعلهما عمدتي حكمه في القول والعمل والله تعالى يجعله من أوليائه المتقين وقد فعل والاعتماد‏.‏

إن شاء الله تعالى‏.‏

  الوظيفة الثانية نيابة قلعة صفد

وهذه نسخة مرسومٍ شريفٍ بنيابة قلعة صفد المحروسة من إنشاء المقر الشهابي بن فضل الله كتب به للأمير سيف الدين أزاق الناصري خامس المحرم سنة أربعٍ وثلاثين وسبعمائة وهي‏:‏ الحمد لله الذي خص الحصون برفعة ذراها وسمعة من فيها من رجالٍ تحمي حماها وتخطف أبصار السيوف بسناها وتصيب برميها حتى قوس قزح إذا راماها‏.‏

نحمده حمداً تبرز به المعاقل في حلاها وتفخر به عقائل القلاع على سواها وتشرف به شرفاتها حتى تجري المجرة في رباها ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً يطيب جناها ويطنب في السماء مرتقاها ونشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله الذي كتب به للأمة هداها وكبت عداها وبوأها مقاعد للقتال تقصر دونها النجوم في سراها صلى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاةً لا ينقطع عنهم قراها وسلم تسليماً كثيراً دائماً إلى يوم الدين‏.‏

وبعد فإن صفد صفت ووفت ووفت وكفت وكفت وجاورت البحر فما غمضت عنه لديادبها عيون ولا خيطت لسيوفها بالكرى جفون ولا ونت لرماحها عزائم شابت لممها ولا انتشت من السهام نبالٌ تفيض ديمها ولا أطالت مجانيقها السكوت إلا لتهدر شقاشقها وتهد بها من الجبال شواهقها وتهول العدا بما تريهم من التهويل وترمي به من كفاتها الحجارة من سجيل‏.‏

وهي القلعة التي يضرب المثل بحصانتها ويطمئن أهل الإسلام في إيداع أموالهم وأهلهم إلى أمانتها قد أطلت على الكواكب نزولاً وجردت على منطقة بروجها من البروق نصولاً وأتعبت الرياح لما حلقت إليها وأخافت الهلال حتى وقف رقيباً عليها وفيها من جنودنا المؤيدة من نزيدهم بها مدداً وتطيب قلوبهم إذا خرجوا لجهاد أعداء الله وخلوا لهم فيها مالاً وولداً‏.‏

وكانت النيابة بهذه القلعة المحروسة قد كادت تنطق بشكواها وتتظلم ممن أساء صحبتها لما تولاها واقتضت آراؤنا العالية أن نزحزح ظلامه عن صباحها ونقوض خيامه عما فرش على الفلك الشاهقة من بطاحها وفكرنا فيمن له بالقلاع المحروسة دربةٌ لا يخفى عليه بها سلوك ولا يخاف معه على هذه الدرة الثمينة في سلوك ممن حمد في دولتنا الشريفة مساء صباح ومن كان في أبوابنا العالية هو الفتاح ومن له همةٌ تناط بالثريا مطالبها وعزمةٌ ما القضاء إلا قواضبها ومعرفةٌ ما الرمح المثقف إلا تجاربها وكفايةٌ ما الغر الزواهر إذا عددت إلا مناقبها‏.‏

وكان المجلس السامي - أدام الله عزه - هو المحلق إلى هذه المرتبة والمخلق بالأصيل أرديتها المذهبة والمحقق في صفاته الورع والمنزه عن تدنيس طباعه بالطمع وله في الأمانة اليد المشكورة وفي الصيانة ما يمتع به ذيول السحاب المجرورة ومن التقوى ما قرب عليه المطالب البطية ومن الفروسية ما اتخذ كل ذروةٍ صهوةً وكل جبلٍ مطية ومن الاستحقاق ما يسهل له من صدقاتنا الشريفة صفد‏:‏ وفي اللغة أن الصفد هو العطية‏.‏

فرسم بالأمر الشريف - شرفه الله وعظمه وأحكمه وحكمه - أن يرتب في النيابة بقلعة صفد المحروسة‏:‏ على عادة من تقدم وقاعدته في التقرير وأما كيف يكون اعتماده فسنرشده منه بصبحٍ منير‏.‏

فقدم تقوى الله في سرك ونجواك واقصر على القناعة رجواك واحفظ هذه القلعة من طوارق الليل والنهار وأعد من قبلك للقتال في قرى محصنة أو من وراء جدر واملأ سماءك حرساً شديداً وشهباً وكثر رجالها لتباري بهم النجوم في أمثالها من بروج السماء عديداً وخذ إلى طاعتنا الشريفة بقلوبهم وهم على ذلك ولكنا نريد أن نزيدهم توكيداً وتألفهم على موالاتنا حتى لا تجد أنت ولا هم إلى المزيد مزيداً وتفقد الذخائر والآلات وتيقظ لما تلجيء إليه الضائقة في أوسع الأوقات وحصن مبانيها وحصل فيها من الذخائر فوق ما يكفيها ومن السلاح ما هو أمنع من أسوارها وأنفع في أوقات الحاجة مما تكنزه الخزائن من درهمها ودينارها‏:‏ من مجانيق كالعقارب شائلةً أذنابها دافعةً في صدر الخطب إذا نابها ترمي بشرر كالقصر وتنزل من السماء بآيات النصر ومن قسي‏:‏ منها ما تدافع بالأرجل مرامي سهامه ومنها ما تدور بالأيدي كأس حمامه ومنها ما يسكت إذا أطلق حتى لا يسمع لام كلامه ومنها ما يترنم إذا غنى بالحمام صوت حمامه ومن ستائر يستر بها وجهها المصون ومنائر يشاهد منها أقرب من يكون أبعد ما يكون ورهجية تجلى بها في كل ليلة عروسها الممنعة ودراجة تحاط بها من جهاتها الست وحدودها الأربعة وأقر نوب الحمام الرسائلي فبها تسقط علينا وعليك الأخبار ويطوى المدى البعيد في أول ساعة من نهار وافتح الباب وأغلقه بشمس واحترز على ما اشتملت عليه من مال ونفس وبقية الوصايا أنت بها أمس والله تعالى يزيل عنك اللبس والاعتماد‏.‏

  الصنف الثاني أرباب الوظائف الديوانية

والذين يكتب لهم من الأبواب السلطانية صاحب ديوان الرسائل وناظر المال وناظر الجيش ووكيل بيت المال‏.‏

وما عدا ذلك فإنه يكتب عن نائبها وربما كتب عن الأبواب السلطانية‏.‏

الصنف الثالث أرباب الوظائف الدينية وهي على مرتين المرتبة الأولى‏:‏ ما يكتب في قطع الثلث بالسامي بالياء وهم القضاة الأربعة‏.‏

المرتبة الثانية‏:‏ من يكتب له في قطع العادة وتشتمل على قضاء العسكر وإفتاء دار العدل والحسبة ووكالة بيت المال‏.‏

  الصنف الرابع أرباب الوظائف الديوانية

والذي يكتب به من الوظائف الديوانية بها - ثلاث وظائف يكتب لكل منهم في قطع الثلث بالسامي بالياء وهم‏:‏ صحابة ديوان المكاتبات ونظر المال ونظر الجيش‏.‏

فإن كتب لأحد غير هؤلاء كتب له في قطع العادة‏.‏

النيابة السادسة نيابة غزة وقد تقدم أنها تارةً تكون نيابةً وتارة تكون تقدمة عسكر ومقدم العسكر بها يراجع نائب الشام في أموره‏.‏

وبكل حال فالوظائف التي تولى بها من الأبواب السلطانية على صنفين‏:‏ الصنف الأول أرباب السيوف وليس بها منهم إلا نائب السلطنة إن كانت نيابةً أو مقدم العسكر إن كانت تقدمة عسكرٍ‏.‏

فكيفما كان فإنه يكتب له تقليدٌ في قطع الثلثين بالجناب العالي مع الدعاء بدوام النعمة‏.‏

وهذه نسخة تقليد بنيابتها‏:‏ كتب به للأمير علم الدين الجاولي من إنشاء الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي وهو‏:‏ الحمد لله رافع علم الدين في أيامنا الزاهرة بإقامة فرض الجهاد وإدامته وجامع رتب التقديم في دولتنا القاهرة لمن تفتر الثغور بين ترقرق عدله وتألق صرامته وقاطع أطماع المعتدين بمن يتوقد بأسه في ظلال رفقه توقد البرق في ظلل غمامته وقامع أعدائه الكافرين بتفويض تقدمة الجيوش بأوامرنا إلى كل وليٍّ يجتنى النصر ويجتلى من أفنان عزماته ووجاهة زعامته‏.‏

نحمده على نعمه التي سددت ما يصدر من الأوامر عنا وقلدت الرتب السنية بتقليدها أعز الأولياء منا مناً ورجحت مهمات الثغور لدينا على ما سواها فلا نعدق أمورها إلا بمن تعقد عليه الخناصر نفاسةً به وضناً ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً لا تزال القلوب بإخلاصها متدينة والألسنة بإعلانها متزينة والأسنة والأعنة متباريين في إقامة دعوتها التي لا تحتاج أنوارها البينة إلى البينة ونشهد أن محمداً عبده ورسوله أشرف مبعوثٍ إلى الأمم وأكرم منعوتٍ بالفضل والكرم وأعز منصور بالرعب الذي أغمدت سيوفه قبل تجريدها في القمم صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين نهضوا بجهاد أعداء الله وأعدائه على أثبت قدم وسروا لفتح ما زوي له من الأرض على جياد العزائم ونجائب الهمم وبذلوا نفائسهم ونفوسهم للذب عن دينه فلم تستزل أقدامهم حمر النعم ولم يثن إقدامهم بيض النعم صلاةً لا يمل السامع نداءها ولا تسأم الألسن إعادتها وإبداءها وسلم تسليماً كثيراً‏.‏

وبعد فإنا من حين مكن الله لنا في أرضه وأنهضنا بمسنون الجهاد وفرضه وقلدنا سيف نصره الذي انتضاه واقامنا لنصرة دينه الذي ارتضاه لم يزل مهم كل ثغر مقدماً لدينا وحفظ كل جانب جاور العدو براً وبحراً متعيناً على اعتنائنا ومحبباً إلينا فلا نرهف لإيالة الممالك إلا من إذا جرد سيفه أغمده الرعب في قلوب العدا ومن إن لم تسلك البحر خيله بث في قلوب ساكنيه سرايا مهابةٍ لا ترهب موجاً ولا تستبعد مدى ومن إذا تقدم على الجيوش أعاد آحادها إلى رتب الألوف وجعل طلائعها رسل الحتوف وأعداهم بأسه فاستقلوا أعداءهم وإن كثروا وأغراهم بمعنى النكاية في كتائب العدا‏:‏ فكم من قلب بالرماح قد نظموا وكم من هامٍ بالصفاح قد نثروا‏.‏

ولذلك لما كان فلانٌ هو الذي ما زال الدين يرفع علمه والإقدام والرأي يبثان في مقاتل العدا كلومه وكلمه والعدل والبأس يتوليان أحكامه فلا يمضيان إلا بالحق سيفه وقلمه فكم نكس راية عدوٍّ كانت مرتفعة وأباح عزمه وحزمه معاقل شرك كانت ممتنعة وكم زلزل ثباته قدم كفر فأزالها وهزم إقدامه جيوش باطلٍ ترهب الآساد نزالها فهو العلم الفرد والبطل الذي لأوليائه الإقبال والثبات ولأعدائه العكس والطرد والولي الذي لولا احتفالنا بنكاية العدا لم نسمح بمثله والهمام الذي ما عدقنا به أمراً إلا وقع في أحسن مواقعه وأسند إلى أكمل أهله‏.‏

وكانت البلاد الغزاوية والساحلية والجبلية على ساحل البحر بمنزلة السور المشرف بالرماح المصفح بالصفاح مروجه الحماة وقلله الكماة لا يشيم برقه من ساكني البحر إلا أسيرٌ أو كسير أو من إذا رجع إليه طرفه ينقلب إليه البصر خاسئاً وهو حسير وبها الجيش الذي كم لسيوفه في رقاب العدا من مواقع ولسمعته في قلوب أهل الكفر من إغارة تركتها من الأمن بلاقع وبها الأرض المقدسة والمواطن التي هي على التقوى مؤسسة والمعابد التي لا تعدق أمورها إلا بمثله من أهل الدين والورع والأعمال التي هو أدرى بما يأتي من مصالحها وأدرب بما يدع - اقتضت آراؤنا الشريفة أن نعدق به نيابة ملكها ونزين بلآليء مفاخره عقود سلكها وأن نفوض إليه زعامة أبطالها وتقدمة عساكرها التي تلقى البحر بأزخر من عبابه والأرض بأثبت من جبالها وأن نرمي بحرها من مهابته بأهوال من أمواجه وأمر في لهوات ساكنيه من أجاجه لتغدو عقائل آهله أرقاء سيفه الأبيض وذابله ويتبر العدو الأزرق من بني الأصفر خوف بأسه الأحمر‏.‏

فلذلك رسم بالأمر الشريف أن يفوض إليه كيت وكيت‏:‏ تفويضاً يحقق في مثل رجاءها ويزين بعدله أرجاءها ويصون ببأسه قاطنها وظاعنها ويعمر ويغمر برفقه وإنصافه مساكنها وساكنها‏.‏

فليباشر هذه الرتبة التي يكمل به سعودها وتجمل به عقودها مباشرة يخيف بأسها الليوث في أجماتها ويعين عدلها الغيوث على دفع أزماتها ويغدو بها الحق مرفوع العلم مسموع الكلم ماضي السيف والقلم ممدود الظل على من بها من أنواع الأمم وليأخذ الجيوش التي بها من إعداد الأهبة بما يزيل أعذارهم عن الركوب ويزيح عوائقهم عن الوثوب ويجعلهم أول ملبٍّ لداعي الجهاد وأسرع مجيب لنداء ألسنة السيوف الحداد وينظم أيزاكهم على البحر انتظام النجوم في أفلاكها والشذور في أسلاكها فلا تلوح للأعداء طريدةٌ إلا طردت ولا قطعةٌ إلا قطعت ولا غرابٌ إلا حصت قوادمه ولا شامخ عمارة إلا وأتيح له من اللهاذم هادمه وليعل منار الشرع الشريف بإمضاء أحكامه ومعاضدة حكامه والانقياد إلى أوامره والوقوف مع موارد نهيه ومصادره ولتكن وطأته على أهل العناد مشتدة ومعرفته تضع الأشياء مواضعها‏:‏ فلا تضع الحدة موضع اللين ولا اللين موضع الحدة وليعلم أنه وإن بعد عن أبوابنا العالية مخصوصٌ منا بمزية قربه مختصٌّ بمنزلة إخلاصه التي اصبح فيها على بينة من ربه وجميع ما يذكر من الوصايا فهو مما يحكى من صفاته الحسنة وأدواته التي ما برحت الأقلام في وصف كمالها فصيحة الألسنة وملاكها تقوى الله وهي في خصائصه كلمة إجماع وحلية أبصار وأسماع والله تعالى قدره وقد فعل ويؤديه في القول والعمل والاعتماد‏.‏

وهذه نسخة تقليد بتقدمة العسكر بغزة المحروسة‏:‏ الحمد لله مبديء النعم ومعيدها ومؤكد أسبابها بتجديدها ومعلي أقدارها بمزايا مزيدها الذي زين أعناق الممالك من السيوف بتقليدها وبين من ميامنه ما ردت إليه بمقاليدها‏.‏

نحمده بمحامده التي تفوت الدراري في تنضيدها وتفوق الدر فيتمنى منه عقد فريدها ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً نافعةً لشهيدها جامعةً لتوحيدها ناقعةً لأهل الجحود مما يورد الأرض بالدماء من وريدها ونشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي كاثر الأمم بأمته في عديدها وظاهر على أعداء الله بمن يفل باس حديده فيرسل من أسنته نجوماً رجوماً لمريدها صلى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاةً نتظافر بتأييدها وسلم تسليماً كثيراً‏.‏

وبعد فإن من عوائد دولتنا القاهرة أن تعود بإحسانها وتجود بثبوت كل قدم في مكانها وإذا ولت عرف سحابها عن جهة عادت إليها أو سلبت لها رونقاً أعادت بهجته عليها وكانت البلاد الغزاوية وما معها قد تمتعت من قدماء ملوك بيتنا الشريف بسيف مشهور وبطل تشام بوارق عزمه في الثغور وهو الذي عم بصيبه بلادها سهلاً وجبلاً وعمر روضها بعدل أغناها أن يسقي طلٌّ طللاً وجمع أعمالها براً وبحراً ومنع جانبيها شاماً ومصراً وألف أهلها منه سيرةً لولا ما استأثرنا الله به من سره لما أفقدناهم في هذه المدة حلاوة مذاقها وسريرةً لا نرضى معها بكف الثريا إذا بسطت لأخذ ميثاقها ولم نرفع يده إلا لأمرٍ قضى الله به لأجل موقوت ومضى منه ما يعلم أنه بمرجوعه القريب لا يفوت لأن الشمس تغيب لتطلع بضوءٍ جديد والسيف يغمد ثم ينتضى فيقد القد والجيد والعيون تسهد ثم يعاودها الرقاد والماء لو لم يفقد في وقت لما وجد لموقعه بردٌ على الأكباد‏.‏

فلما بلغ الكتاب أجله وأخذ حقه من المسألة وانتقل من كان قد استقر فيها إلى جوار ربه الكريم وفارق الدنيا وهو على طاعتنا مقيم - اقتضت آراؤنا الشريفة أن يراجع هذه العقيلة كفؤها القديم وترجع هذه الأرض المقدسة إلى من فارقها وما عهده بذميم‏.‏

من لم تزل به عقائل المعاقل تصان وخصور الحصون بحمائل سيوفه تزان ومباسم الثغور تحمى في كل ناحية من أسنته بلسان وحمى الثغرين وما بينهما من الفجاج وجاور البحرين فمنع جانبيهما‏:‏ فهذا عذبٌ فراتٌ وهذا ملحٌ أجاج وله في العدا وقائع زلزلت لمواقعها الألوف ومواقف لولا ما نعقت فيها من غربان البين لطال على الديار الوقوف وهو الذي مدحت له في بيتنا المنصور المنصوري من الخدمة سوابق وحمدت طرائق وكثرت محاسن وكبرت ميامن ولمعت كواكب وهمعت سحائب وصدحت حمائم وفتحت كمائم وعزت جيوشنا المؤيدة له بمضارب وهزت سيوفاً حداداً وهو بالسيف ضارب‏.‏

وكان المجلس العالي - أدام الله تعالى نعمته - هو الذي حمدت له آثار وحسنت أخبار وعمت مدح وتمت منح فرسمنا بإقراره في هذا المنصب الشريف في محله وإعادته إلى صيب وبله وإنامة أهلها مطمئنين في عدله وإقرار عيون من أدرك زمانه بعوده ومن لم يدرك زمانه بما سيرونه من فضله‏.‏

فرسم بالأمر الشريف - لا زالت ملابس نعمه تخلع وتلبس برودها وعرائس كرمه تفارق ثم تراجع غيدها - أن تفوض إليه أمور غزة المحروسة وأعمالها وبلادها والتقدمة على عساكرها وأجنادها والحكم في جميع ما هو مضافٌ إليها من سهلٍ ووعر وبر وبحر وسواحل ومواني ومجرى خيول وشواني ومن فيها من أهل عمد ورعايا وتجار وأعيان في بلد ومن يتعلق فيها بأسباب ويعد في صف كتبة وكتاب‏.‏

على عادة من تقدم في ذلك وعلى ما كان عليه من المسالك‏.‏

وسنختصر له الوصايا لأنه بها بصير وقد تقدم لها على مسامعه تكرير ورأس الأمور التقوى وهو بها جدير وتأييد الشرع الشريف فإنه على هدىً وكتاب منير والاطلاع على الأحوال ولا ينبئك مثل خبير‏.‏

والعدل فهو العروة الوثقى والإنصاف حتى لا يجد مستحقاً والعفاف فإن التطلع لما في أيدي الناس لا يزيد رزقاً والاتصاف بالذكر الجميل هو الذي يبقى وعرض العسكر المنصور ومن ينضم إليه من عربه وتركمانه وأكراده وكل مكبرٍ في جحافله ومكثرٍ لسواده وأخذهم بالتأهب في كل حركةٍ وسكون والتيقظ بهم لكل سيف مشحوذ وفلكٍ مشحون والاحتراز من قبل البر والبحر وإقامة كل يزك في موضعه كالقلادة في النحر ولا يعين إقطاعاً إلا لمن يقطع باستحقاقه ويقمع العدا بما يعرف في صفحات الصفاح من أخلاقه ولا يخل المباشرين من عنايةٍ تمد إليهم ساعد المساعدة فلا يخلوا في البلاد بعمارةٍ تغدو في حللها مائدة وليحفظ الطرقات حفظاً تكون به ممنوعة ويمسك المسالك فإنه في مفرق طرقاتها المجموعة وليقدم مهمات البريد وما ينطق على جناح الحمام وليتخذهما نصب عينيه في اليقظة والمنام فرب غفلةٍ لا يستدرك فائتها ركض ورسالةٍ لا يبلغها إلا رسولٌ ينزل من السماء وآخر يسيح في الأرض ويرصد ما ترد به مراسمنا العالية ليسارع إليه ممتثلاً ويطالعنا بما يتجدد عنده حتى يكون لدينا ممثلاً وهو يعلم أنه واقفٌ من بابنا الشريف بالمجاز وقدام عينينا حقيقةً وإن قيل على طريق المجاز فليؤاخذ نفسه مؤاخذة من هو بين يدينا ويعمل بما يسره أن يقدم فيما يعرض من أعماله علينا والله تعالى يزيده حظوةً لدينا ويؤيد به الإسلام حتى لا يدع على أعداء الله للدين ديناً والاعتماد‏.‏

  الصنف الثاني الوظائف الديوانية بغزة

وبها ثلاث وظائف‏:‏ يكتب لكل منها في قطع العادة بالسامي بغير ياء وهي‏:‏ كتابة الدرج القائمة مقام كتابة السر ونظر المال ونظر الجيش‏.‏

قال في التثقيف‏:‏ أما قاضيها ومحتسبها ووكيل بيت المال بها فإنهم نوابٌ عن أرباب هذه الوظائف بالشام فلا يكتب لأحد منهم شيءٌ عن المواقف الشريفة‏.‏

قلت‏:‏ وما ذكره بناءً على أنها تقدمة عسكر‏.‏

أما إذا كانت نيابةً فإن هذه الوظائف يكتب بها عن الأبواب السلطانية‏.‏

وقد يكتب حينئذ بوكالة بيت المال والحسبة عن النائب ويكون ذلك جميعة في قطع العادة مفتتحاً بأما بعد في المنصوري أو برسم في الصغير على حسب ما يقتضيه الحال‏.‏

على أنه قد حدث بها في الدولة الظاهرية قاض حنفيٌّ يكتب له من الأبواب السلطانية‏.‏

  النيابة السابعة نيابة الكرك

وأرباب الولايات بها من الأبواب السلطانية على أصناف الصنف الأول أرباب السيوف وليس بها منهم غير نائب السلطنة ويكتب له تقليدٌ في قطع الثلثين بالمجلس العالي‏.‏

وهذه نسخة تقليد بنيابة السلطنة بالكرك كتب به للأمير سيف الدين أيتمش من إنشاء الشيخ الحمد لله الذي خص بعزائمنا معاقل الإسلام وحصونه وبصرنا باختيار من نرتبه في كل معقل منها من أمجاد الأمراء ليحفظة ويصونه وجعلها بعنايتنا روضاً تجتلي أبصار الأولياء من بيض صفاحنا نوره وتجتني من سمر رماحنا غصونه وعوذها من آيات الحرس بما لا تزال حماتها وكماتها يروون خبره عن سيفنا المنتضى لحفظها ويقصونه‏.‏

نحمده على نعمه التي أعلت بنا بناء الممالك وحاطتها من نبل مهابتنا بما لو تسللت بينه الأوهام ضاقت بها المسالك وصفحتها من صفاح عنايتنا بما يحول برقه بينها وبين ما يستر طيف العد من الظلام الحالك ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً تعصم من أوى إلى حرم إخلاصها وتنجي غداً من غدا من أهل تقريبها واختصاصها ونشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي أضاتءت ملته فلم تخف على ذي بصر وعلت شرعته فغدا باع كل ذي باعٍ عن معارضتها ذا قصر وسمت أمته فلو جالدها معادٍ أوبقه الحصر أو جادلها مناوٍ أوثقه الحصر صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين كانت معاقلهم صهوات جيادهم وحصونهم عرصات جلادهم وخيامهم ظلال سيوفهم وظلالهم أفياء صعادهم صلاةً لا يزال الإخلاص لها مقيماً والإيمان لها مديماً وسلم تسليماً كثيراً‏.‏

وبعد فإن أولى الحصون الإسلامية بأن تحوط عنايتنا أركانه وتتعاهد رعايتنا مكانه وتلاحظ مهابتنا أحواله فتحليها وتشاهد أوامرنا قواعده فتشيدها بجميل النظر وتعليلها وتحول سطواتنا بين آمال الأعداء وتوهمه وتحجب مخافة بأسنا أفكار أهل العناد عن تأمل ما في الضمي وتوسمه - حصنٌ انعقد الإجماع على انقطاع قرينه وامتناع نظيره فيما خصه الله به من تحصينه فهو فرد الدهر العزيز مثاله البعيد مناله المستكنة في ضمائر الأودية الغوامض بقعته المستجنة بقلل الجبال الشواهق نقعته السائر في أقطار الأرض صيته وسمعته‏.‏

ولما كانت قلعة الكرك المحروسة هي هذه العقيلة التي كم ردت آمال الملوك راغمة ومنعت أهواء النفوس أن تمثلها في الكرى الأجفان الحالمة وكان فلانٌ ممن ينهض مثله بحفظ مثلها ويعلم أن أمانتها التي لا تحملها الجبال قد أودعت منه إلى كفئها ووضعت كفايتها في أهلها فهو سيفنا الذي يحوطها ذبابه وولينا الذي من طمح بصره إلى أفق حله أحرقه شهابه ونشو أيامنا التي تنشيء كل ليث يقنص الظفر ظفره وينبو بالسيوف نابه وغذي دولتنا الذي ما اعتمدنا فيه على أمرٍ إلا كرم به نهوضه وحسن فيه منابه - اقتضت آراؤنا الشريفة أن نخصها بمهابة سيفه ونحصنها بما فيه من قوة في الحق تكف كل باغٍ عن حيفه‏.‏

فلذلك رسم بالأمر الشريف - لا زالت الحصون المصونة تختال من ملكه في أبهى الحلل وتعلو معاقل الكفر بسلطانه علو ملة الإسلام على الملل - أن تفوض إليه نيابة السلطنة الشريفة بالكرك المحروس تفويضاً يعلي قدره ويطلع في أفقها بدره ويطلق في مصالحها سيفه بالحق وقلمه ويمضي في حمايتها أفعاله وكلمه ويسدد في أمورها آراءه المقرونة بالصواب وهممه‏.‏

فليباشر هذه الرتبة العلية صورةً ومعنى الملية إذا طاولت الكواكب بأن لا يعلم منها أسمى وأسنى وليجتهد في مصالحها اجتهاداً يوالي له من شكرنا المنح ويأتي فيه من مواضينا بالغرض المقترح ويزيدها إلى حصانتها حصانةً وقوة ويزينها بسياسته التي تغدو قلوب أهل العناد بمخافتها مغزوة ولينظر في مصالح رجالها فيكون لحماتهم مقدماًن ولمقدميهم مكرماً ولا عذارهم مزيحاً ولخواطرهم بتيسير مقرراتهم مريحاً وليكن لمنار الشرع الشريف معظماً ولأحكامه في كل عقد محكماً ولما قرب وبعد من بلاد نيابته عامراً ولأكف الجور عن الرعية كافاً‏:‏ فلا يبرح عن الظلم ناهياً وبالعدل آمراً وملاك الوصايا تقوى الله فليجعلها حلية نفسه ونجي أنسه ووظيفة اجتهاده التي تظهر بها مزية يومه على أمسه والله تعالى يسدده في أحواله ويعضده في أفعاله وأقواله بمنه وكرمه‏!‏ وهذه نسخة تقليد السلطنة بالكرك كتب به للأمير تلكتمر الناصري عندما كان المقر الشهابي أحمد ولد السلطان الملك الناصر بالكرك وهو‏:‏ الحمد لله الذي جعل بنا الممالك محصنة الحصون محميةً بكل سيف يقطر من حده المنون ممنعةً لا تتخطى إليها الظنون محجبةً لا تراها من النجوم عيون رافلةً من الكواكب في عقد ثمين منيعةً أشبهت السماء واشتبهت بها فأصبحت هذه البروج من هذه لا تبين‏.‏

نحمده على نعمه التي رفعت الأقدار وشرفت المقدار وحلت في ممالكنا الشريفة كل عقيلةٍ ما كان معصمها الممتد إلى الهلاك ليترك بغير سوار ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً رفعت للحصون العالية رتباً وملئت بها سماؤها حرساً وشهباً وأعلت مكانها فاقتبست من البرق ناراً ووردت من السحاب قلباً ونشهد أن محمداً عبده ورسوله أشرف من بعث ولاةً على الأمصار وكفاةً على الأقطار صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ما صدحت الحمائم وسفحت الغمائم وسلم تسليماً كثيراً‏.‏

أما بعد فإن خير من حميت به الممالك وحمدت - ولله المنة - منه المسالك وارتقت هممه إلى الشمس والقمر والنجوم وما أشبه ذلك من حصل الوثوق به في أشرف مملكة لدينا وأفضل ما يعرض في دولتنا الشريفة من أعمالها الصالحة علينا‏:‏ وهي التي قعدت من الجبال على مفارقها واتصلت من النجوم بعلائقها وتحدرت الغمائم من ذيولها وطفت على السماء وطافت على الكواكب فجرت المجرة من سيولها وكان الكرك المحروس هو المراد ومدينته التي لم يخلق مثلها في البلاد وقلعته تتشكى الرياح لها طلوع واد ونزول واد وهي أرضٌ تمت بأنها لنا سكن ونمت مناقبها بما في قلوبنا من حب الوطن واستقرت للمقامات العالية أولادنا - أعزهم الله بنصره - فانتقلت من يمينٍ إلى يسار وتقابلت بين شموسٍ وأقمار وجاد بها البحر على النهار‏.‏

فلما خلت نيابة السلطنة المعظمة بها عرضنا على آرائنا الشريفة من تطمئن به القلوب ويحصل المطلوب وتجري الأمور به على الحسنى فيما ينوب وتباري عزائمه الرياح بمرمى كل مقلة وهزة جيد ولا يشك في أنه كفؤ هذه العقيلة وكافي هذه الكفالة التي ما هي عند الله ولا عندنا قليلة وكافل هذه المملكة التي كم بها بنيةٌ أحسن من بنية وخميلةٌ أحسن من خميلة من كان من أبوابنا العالية مطلعه وبين أيدينا الشريفة لا يجهل موضعه طالما تكملت به الصفوف وتجملت به الوقوف وحسن كل موصوف ولم تخف محاسنه التي هو بها معروف كم له شيمةٌ علية وهمةٌ جلية وتقدمات إقدام بكل نهاية غاية ملية وعزائم لها بنعته مضاء السيف وباسمه قوة الحديد وهي بالنسبة إليه ملكية وكان المجلس العالي - أدام الله نعمته - هو لابس هذه البرود التي رقمت والعقود التي نظمت وجامع هذه الدرر التي قسمت والدراري التي سمت إلى السماء لما وسمت وهو من الملائك في الوقار وله حكم كالماس وبأسٌ يقطع الأحجار وهو ملكٌ نصفه الآخر من حديد كما أن لله ملائكةً نصفهم من الثلج ونصفهم من نار وهو الذي اقتضت آراؤنا الشريفة أن نجعله في خدمة ولدنا - أمتعه الله ببقائنا - نائباً بها وقائماً بحسن منابها والمتصرف فيها بين أيديه الكريمة والمتلقي دونه لأمورها التي قلدنا بها عنقه أمانةً عظيمة‏.‏

فلذلك خرج الأمر الشريف - لا زال به سيف الدين ماضياً ولا برح كل واحد بحكم سيفه في كل تجريد وقلمه في كل تقليد راضياً - أن تفوض إليه نيابة السلطنة الشريفة بالكرك المحروس وما معه على عادة من تقدمه فيها وقاعدته التي يتكفل لها بالإحسان وبكف العدوان ويكفيها وكل ما فيها من أمرٍ فهو به منوط وكل عمل لها به محوط وحكمه في مصالحنا الشريفة في جميع بلادها مبسو وله تطالع الأمور ومنه تصدر المطالعة وبه تزال كل ظلامة وتزاح كل ملامة ويؤيد الشرع الشريف ويؤبد حكمه وينثر علمه وينشر علمه وتقام الحدود بحده والمهابة بجده‏.‏

ورجال هذه القلعة به تتألف على طاعتنا الشريفة قلوبهم والرعايا يعمهم بالعدل والإحسان وأيسر ما عندنا مطلوبهم وهؤلاء هم شيعتنا قبلك ورعيتنا الذين هم لنا ولك فرفرف عليهم بجناحك وخذهم بسماحك والمسارعة إلى امتثال مراسمنا الشريفة هي أول ما نوصيك باعتماده واولى ما يقبس من نوره ويستمد من أمداده فلا تقدم شيئاً على الانتهاء إلى أمره المطاع والعمل في السمع والطاعة باكر له ما يمكن أن يستطاع وخدمة أولادنا فلا تدع فيها ممكناً واعلم بأن خدمتهم وخدمتنا الشريفة سواءٌ لأنه لا فرق بينهم وبيننا وهذه القلعة هي التي أدعناها في يمين أمانتك وحميناها بسيفك وصناها بصيانتك فالله الله في هذه الوديعة وأد الأمانة فإنها نعمت الذريعة واحفظها بقوة الله وتحفظ بأسوارها المنيعة وعليك بالتقوى لتقوى والوقوف عن الشريعة والله تعالى يزيدك علواً ويبلغك مرجواً والاعتماد‏.‏

قلت‏:‏ وربما ولي نيابة الكرك من هو جليل الرتبة رفيع القدر من أولاد السلطان أو غيرهم فتعظم النيابة بعظمه ويرفع قدرها بارتفاع قدره وتكون مكاتبته وتقليده فوق ما تقدم بحسب ما يقتضيه الحال من الجناب أو غيره‏.‏

وهذه نسخة تقليد بنيابة السلطنة بالكرك كتب بها عن السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون لولده الملك الناصر أحمد قبل سلطنته وكتب له فيه بالجناب العالي من إنشاء الشريف شهاب الدين وهي‏:‏ الحمد لله الذي اسعدنا بوراثة الملك والممالك وأرشدنا للرأي المصيب في أن نستنيب من نشاء من ذلك وأيدنا بالعون والصون في حفظ ما هنا ولحظ ما هنالك وعودنا الإمداد بيمنه المتداول والإنجاد بمنه المتدارك وسددنا بالفضل والإسعاف إلى أن نتبع من العدل والإنصاف أنجح السبل وأوضح المسالك وعضدنا من ذريتنا بكل نجل معرق ونجم مشرق يرشق شهابه في الكرب الحال ويأتلق صوابه في الخطب الحالك وأفردنا بالنظر الجميل والفكر الجليل إلى نحمده‏!‏ وكيف لا يحمد العبد المالك‏!‏ ونشكره على أن أهلنا لإقامة الشعائر وإدامة المناسك ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له جل في جبروته عن مشابهٍ وتعالى في ملكوته عن مشارك ونشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله الذي أنجد جنوده من الملأ الأعلى بالملائك وأمد بعوثه بالنصر والظفر في جميع المواقف والمعارك وأيد أمته بولاية ملوك يجلسون في النعيم على الأرائك ويحرسون حمى الدين بجهادهم واجتهادهم من كل فاتنٍ وفاتك صلى الله عليه وعلى آله سفن النجاة المؤمنين من المخاوف والمنقذين من المهالك ورضي الله عن اصحابه الذين نظموا شمل الإيمان وهزموا جمع البهتان بكل باترٍ وفاتك صلاةً ورضواناً يضحي لقائلهما في اليوم العبوس الوجه الطلق والثغر الضاحك وينشر فيحشر مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك ما ابتهل بصالح الدعاء وناجح الاستدعاء لأيامنا كل عابد وناسك وعول حسن آرائنا على تقديم من هو لجميل آثارنا سالك وأقبل بالإقبال سنا شهابه المنير يجلو ما تثير من ليل نقعها السنابك فحصل للكرك والشوبك بهذا القدوم فخار مسيرك بينهما وبين النجوم الشوابك‏.‏

أما بعد فإن الله تعالى آثرنا بتوفير التوفيق ويسرنا من الهدى إلى أقوم طريق ووهبنا في الملك النسب العلي العريق والحسب الذي هو بالتقديم والتحكيم حقيق وقلدنا من عهد بيعة السلطنة ما لحمده في الآفاق تطريق ولعقده في الأعناق تطويق ففيأنا من شجرة هذا البيت الشريف الناصري المنصوري كل غصن وريق وهيأ للبرية تكريماً عميماً بتقديم من له المجد يتعين وبه السؤدد يليق وأطلع في أفق أعز الممالك علينا من بيتنا شهاب علا هو للبدر في الكمال والجمال شبيهٌ وشقيق وأطعنا أمر الله تعالى في معاملة الولد البار معاملة الوالد الشفيق وأودعنا لديه ما أودعه الله تعالى لدينا‏:‏ مملكةً مرتفعةً متسعةً ليرتفع محله ويتسع أمله ولا يضيق وجمعنا له أطرافها لتكون لكلمته العليا بها الاجتماع من غير تفريق‏.‏

ولما كان الجناب العالي الولدي الشهابي سليل الملوك والسلاطين خليل أمير المؤمنين هو الذي تشير رتب الكفالة بترقيه وتقر عيون الأولياء بتعينه لإلقاء أمرنا المطاع وتلقيه وتلهج الألسنة ضارعة إلى الله تعالى أن يخلد ملك بيته الشريف ويبقيه وتعرج إلى السموات دعوات الأتقياء أن يوقيه الله مما يتقيه ونمسك في هذا المقام لسان المقال عن مدحه أدباً ونترك الافتخار بالمال والعيدد إيثاراً لثواب الله وطلباً وندرك موعظة الله سبحانه في كتابه قصداً وأرباً ‏"‏ والباقيات الصالحات خيرٌ عند ربك ثواباً وخيرٌ عقباً ‏"‏‏.‏

وببركة هذا القصد يتم لنا فيه المراد ويعم هذه المملكة النفع بهذا الإفراد فإنها معهد النصر والفتح ومشهد الوفر والمنح ومصعد العز الذي لما وطئنا صرحه تدكدك للعدا كل صرح وتملك للهدى كل سرح ونشقنا بها لقرب المزار من طيب طيبة أعظم نفح وقد بقينا بجاه الحال بها في تيسير التأييد فكان كاللمح وجرى خلفنا السمح بعد ذلك على عادته في الحكم والصفح وسرى ذكرنا في الشرق والغرب وللحاة به أطرب صدح وآتى الله من فضله ملكنا نعماً تجل عن العد والشرح فيها منشأ دولة الدول ومنها فتح الفتوح وبإضافته إلينا تفاؤل خيرٍ مشهورٍ ملموح كما قيل قبلها كرك نوح فبتطهير الأرض من الكفار عزائمنا تغدو وتروح وبالاستناد بأطول الأعمار أمارةٌ بادية الوضوح وآثار بركة الاسم الشريف المحمدي تظهر علينا في الحركات والسكنات وتلوح وفخار هذه المملكة المباركة‏:‏ لاختصاصها بالحرمين الشريفين عليها طلاوةٌ وسعادةٌ وفيها روح وكنا قد سلكنا بهذا الولد النبيل سنة أبي الأنبياء إبراهيم الخليل في ولده إسماعيل عليهما السلام التام في كل بكرة وأصيل حيث فارقه وأفرده وتفقده في كل حين وتعهده حتى شد الله تعالى به عضده ورفع هو وأبوه قواعد البيت وأعانه لما شيده فأجمل الله تعالى به عضده ورفع هو وأبوه قواعد البيت وأعانه لما شيده فأجمل الله لنا هذا القصد وأحمده وكمل هذا الشروع وأسعده وأجزل له من فوائده أوفر هبةٍ وأنجز له من عوائده أصدق عدة فأحللناه في هذه المدة بمملكة الكرك فسلك من حسن السجايا أحسن مسلك وملك قلوب الرعايا وبما وهب من المنح تملك وبسنتنا في التواضع للحق مع الخلق تمسك وبشيمنا وخلقنا في الجود تخلق فبذل وما أمسك‏.‏

ولما بلغ أشده واستوى وبزغ شهاب علاه الذي هو وبدر السماء سوا وحاز مكارم الأخلاق وحوى وفاز سلطاننا فين جابته بحسن النية‏:‏ وإنما لكل امرىءٍ ما نوى - حكمناه في هذه النيابة التي ألفها ودربها وعرف أمورها وجربها واستمال خواطر أهلها واستجلبها وأدنى لهم لما دنا منهم الميامن ولما قر بها منهم قربها واستحق كفالتها واستوجبها وأظهر الله تعالى فيه من الشمائل أنجبها ومن الخلائق أرحبها ومن الأعراق أطيبها ومن العوارف أنسبها ومن العواطف أقربها ومن البسالة أرهفها وأرهبها ومن الجلالة أحبها إلى القلوب وأعجبها ومن السيادة ما أخذت نفسه لها أهبها ومن الزيادة ما يتعين له شكر الله الواهب الذي وهبها ومن السعادة ما رفعت الأقدار على مناكب الكواكب رتبها وأطلعت لحماته سماء العلياء شهبها ورقت على هامة الجوزاء منصبها واستصحبت من العناية لهذا البيت مزيةً فرض الله بها له الطاعة وكتبها فاستخرنا الله تعالى الذي يختار لنا ويخير وسألناه التأييد والتيسير وفوضنا إليه وهو الكفيل لنا بالتدبير في كل مبدإٍ ومصير واستعنا به وهو نعم النصير واقتضى حسن الرأي الشريف أن نسرج شهابه المنير وننتج للأولياء يمن التأثيل بحسن هذا التأثير وننهج في بره سبلاً تقدمنا إليها كل ذي منبرٍ وسرير ونثلج الصدور ونقر العيون بسعيد الإصدار وحميد هذا التقرير‏.‏

فلذلك رسم بالأمر الشريف - لا برح أمره يصيب السداد فيما إليه يصير وخبره يحمل الموافاة فللألسنة عن مكافأة بره تقصير - أن تفوض نيابة السلطنة الشريفة بالكرك المحروس والشوبك للجناب العالي الولدي الشهابي وما ينضم إلى ذلك وينضاف من جميع الأقطار والأكناف وجمعنا له من هذه المملكة الأطراف وجعلنا له على سهلها وجبلها إشراف وصرفناه منها فيما هو عن علمه الكريم غير خاف نيابةً كاملة كافلة شاملة عامة تامة وافرة سافرة يستلزم طاعته فيها الافتراض وتنحسم عنه فيها مواد الاعتراض وتنفذ مراسمه من غير توقفٍ ولا انتقاض وتبسط يده البيضاء من غير انقباض ويرتفع رأيه من غير انخفاض‏.‏

فلتقدر رعية هذه البلاد نعمة هذا التفويض قدرها وليسألوا الله أن يوزعهم لحسن هذا التفويض شكرها فقد أنشأ لهم يسرها وأفاء لهم برها وألقى إليهم جودها وخيرها وابقى عندهم عزها ونصرها وليتبعوا السبيل القويم وليجمعوا على الطاعة التي تبقي عليهم نعمة العافية وتديم وليسمعوا ويطيعوا لما يرد إليهم من المراسيم فمن لم يستقم كما أمر لا يستمر بهذه البلاد ولا يقيم والعاقل لنفسه خصيم والجاهل من عدم النعمة وحرم النعيم وفراستنا تلمح نتائج الخير من هذا التقديم وسياستنا تصلح ما قرب منا وما بعد بتعريف أحكام التحكيم وكيف لا وهو الكريم بن الكريم بن الكريم المؤمل لتمام السؤدد قبل أن يعقد عليه التميم المشتمل على الخلال الموجبة له الفضل العميم المتوصل بيمن حركاته إلى أن يكون لمثل هذا الملك العظيم وإلى أمانته استيداعٌ وإلى صيانته تسليم المقبل وجهدنا الإقبال فتتلو الرجال‏:‏ ‏"‏ ما هذا بشراً إن هذا إلا ملكٌ كريمٌ ‏"‏‏.‏

ونحن نأمرك من التقوى بما به من الله أمرنا ونبصرك من الهدى بما له هدينا وبصرنا ونبقي لديك من بدائعها ما به خصصنا وأوثرنا ونوصيك اتباعاً للكتاب والسنة ونؤتيك من الهداية ما لله في الإرشاد إليه المنة‏:‏ فقد وعظ ووصى لقمان - عليه السلام - ابنه وأوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل لما بعثه إلى اليمن فحقق الله تعالى في نجاحه رجاءه وفي فلاحه ظنه ونذكر جنابك ونرجو أن تكون ممن تنفعه الذكرى ونسير شهابك إلى أفق السعد ونأمل أن تيسر لليسرى ونؤمرك فتزيد علم عزك رفعاً ولواء مجدك نشراً ونأمرك ثقةً بحسن أخلاقك فيتلو لسان وفاقك‏:‏ ‏"‏ ستجدني إن شاء الله صابراً ولا أعصي لك أمراً ‏"‏ فمثلك من أيدته العصم وأصعدته الهمم وحمدته الأمم وأرشدته إلى الحكم ما عهدته فكرته من الحكم وسددته أعراقه وأخلاقه فلا يزاد على ما فيه من كرم فلا نذكر منك ناسياً ولا نفكر لاهياً ولا نأمر وننهى إلا من لم يزل بالمعروف آمراً وعن المنكر ناهياً‏.‏

فاتق الله تعالى‏:‏ فعلى التقوى مرباك وراقب اللهتعالى‏:‏ فالمراقبة للملوك من بيتك ملاك وجد في نصرة الحق ولا تأب‏:‏ فقد أنجد الله تعالى بذلك جدك وأباك واعدل فبالعدل تعمر الدول وأقم منار الشرع فهو الأصل الذي يرد إليه من القضايا كل فرع ومجاله الرحب إذا ضاق الذرع فأيد حاكمه وشيد معالمه وأكد الإلزام بأحكامه اللازمة‏.‏

والأمراء والجند فهم جناح النجاح وصفاح الصفاح فاعتمد أحوالهم بالصلاح وأرد فيهم ما استطعت الإصلاح والخيالة والرجالة الذين يحمى بهم مصون الحصون أن يستباح فالحظ أمورهم بعين فكرك في كل مساءٍ وصباح فمن نهض في الخدمة تعين من النعمة أن يزاد ومن قصر في العزم قضى الحزم أن يزاح والرعايا فههم للإحسان ودائع وللامتنان صنائع فأعذب لهم من المعدلة المشارع وانصب لهم من إقامة الحرمة الزواجر والروادع وأخصب لهم من النعمة مربعاً يرغب الجامح ويقرب الطائع وأهل الذمة فآوهم إلى كنف العدل الواسع واحمهم أن تمتد إلى أنفسهم يد جانٍ وإلى أموالهم يد طامع وأقم عليهم بأساً يحل بهم إذا اعتدوا القواصم والقوارع وأدم لهم مهابة تسد من فساد الذرائع وعاود آراءنا الشريفة وراجع وواصل بأنبائك السارة وأفعالك البارة وتابع وبما تتطلع إليه خواطرنا العاطفة من متجدداتك المباركة أتحف وطالع والله تعالى يشنف بحسن سيرتك المسامع ويشرف بحلول عدلك المحافل والمجامع ويوزعك شكر نعمته ويجعل لك من عصمته أعظم وازع ويمتعك بأيامنا التي فيها الخير الشامل والبر الجامع ويصون بخلالك الحسنى ما استحفظت من أسنى الودائع ويزين سماء العلياء بجلالك فمنها لك قمراها والنجوم الطوالع ويوفق بجميل قصدك إلى أن تأخذ من القلوب بالمجامع ويحقق في إسعاد جنابك المطالب ويشرق بإصعاد شهابك المطالع والعلامة الشريفة أعلاه حجةٌ بمقتضاه‏.‏